حذروا من وقوع كارثة انسانية واقتصادية كبيرة في حال انهياره..
مختصون في شؤون المياه يدعون الى دراسة واقع سد الموصل بطريقة علمية والاسراع ببناء جدار كونكريتي داعم
سد الموصل الذي يعد واحد من بين اربعة سدود كبيرة في منطقة الشرق الاوسط ويمثل مشروعا تنمويا استرتيجيا كبيرا من خلال ما يمثله من اضافة مهمة للاقتصاد الوطني .. ففضلا عن كونه يمثل خزانا عملاقا لاحتياطي المياه في العراق .. فهو يمثل مصدرا مهما من مصادر توليد الطاقة الكهربائية النظيفة ويسهم في زيادة رقعة الاراضي المزروعة كما انه يعد معلما سياحيا مهما في البلاد . هذا السد يواجه اليوم خطرا كبيرا يهدده بالانهيار ما قد يحدث كارثة اقتصادية وبيئية وانسانية كبيرة
هذا ماكشف عنه خبراء مختصون في مجال الموارد المائية.. مطالبين ببناء جدار كونكريتي خلف السد لدرء خطر الفيضان في حال تعرض السد لاي مشكلة.. جاء ذلك خلال الندوة التي نظمها "معهد التقدم للسياسات الانمائية " التي خصصت لمناقشة واقع سد الموصل بين الواقع واحتمالات الانهيار.. ضيف خلالها وزير الموارد المائية الاسبق والمستشار الاقدم لرئيس الجمهورية الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد.
واستهل النائب الدكتور مهدي الحافظ اعمال الندوة قائلا ان سد الموصل انجز عام 1986 بمعونة شركة استشارية.. كاشفا عن ان فكرة انشاء السد تعود الى مرحلة مجلس الاعمار في الخمسينيات ولكن لم يتم تنفيذه عند ذاك بسبب الخلاف حول الموقع الجيولوجي وخصائص التربة التي انشيء عليها .. موضحا ان فوائد السد الاساسية تتمثل باستيعاب المياه الفائضة بسبب الفيضانات وارواء اراضي واسعة في منطقة نينوى.
ولفت الحافظ الى ان المشكلة التي يواجهها السد اليوم هي احتمال انهياره بسبب ضعف الصيانة وتدهور اركانه بصورة ملحوظة فالارض الهشة يمكن ان تكون سببا في تداعيه لذا توجب منذ البداية ازالة التشققات في بنائه وضخ اسمنت خاص لهذا الغرض.. مشيرا الى ان هناك تحذيرات من جهات عدة منها امريكية من احتمال انهيار السد وما يترتب على ذلك من فيضانات واسعة واضرار كبيرة وهلاك حوالي نصف مليون انسان.. متسائلا: هل تكفي الاجراءات التي اتخذتها الحكومة المتمثلة بتكليف شركة ايطالية للقيام بعملية الصيانة لايقاف تدهور حالة السد؟.
الدكتور عبداللطيف جمال رشيد وزير الموارد المائية الاسبق رسم صورة واضحة لواقع سد الموصل واحتمالات المستقبل وما المطلوب عمله لدرء خطر الانهيار المحتمل.. مبينا ان الامكانات العراقية في خزن المياه عالية جدا تصل الى اكثر من 11 مليار متر مكعب في السنة ولكن المشكلة ان الادارة للموارد المائية لدينا غير جيدة وضعيفة.
وانتقد رشيد بعض التصريحات غير الدقيقة التي تتحدث عن واقع سد الموصل والتي لها تأثير سلبي على هذا الواقع فاذا ما تعرض السد لاي امر فان كارثة كبيرة ستحل بالعراق.. مؤكدا ان السد مشروع مهم جدا وينبغي ايلائه اهتماما استثنائيا.. داعيا الى ارسال وفد من ذوي الخبرة والكفاءة الفنية العالية للاطلاع عى واقع السد وما يجري فيه واعداد دراسة فنية.. موضحا ان السد تعرض لعدد من المشاكل الفنية بعد سيطرة عصابات "داعش" عليه ومن بينها توقف عمليات التحشية الاسمنتية في الفجوات الواقعة اسفل السد.
واضاف رشيد ان السد يقع على بعد 50 كم شمال الموصل وبدأ العمل به عام 1981 وانجز عام 1986 والهدف منه منع خطر الفيضان اذ يبلغ حجم الخزن في بحيرة السد حوالي 11,11 مليار متر مكعب يستفاد منها في توليد الكهرباء بما مقداره 750 ميكاواط من السد الرئيسي و60 ميكاواط من السد التنظيمي وهي طاقة نظيفة ورخيصة.. موضحا ان الجهات التي اشتركت في انشاء السد مجموعة من الشركات السويسرية والالمانية واليوغسلافية وكان مكان انشاء السد قد خضع لوجهات نظر مختلفة لان مركزه من الطين تعلوه قشرة من الحصى وقشرة اخرى حجرية يبلغ ارتفاعه 113 مترا وعرضه 10 امتار وطوله 3650 متراً وتكوينته الاساسية من حجر الجبس.. مبينا ان مشكلة الاحجار الجبسية هي قابليتها على الذوبان تحت ضغط ارتفاع الماء وهناك العديد من السدود في العالم تواجه نفس المشكلة.. مشيرا الى ان المشكلة بدأت مباشرة بعد انجاز المشروع لذلك كان العلاج هو القيام بعملية التحشية لتعويض عملية ذوبان الاحجار الكلسية وهي طريقة متبعة عالميا لمعالجة الفراغات الناتجة عن الذوبان.
واوضح رشيد انه في عام 2005 تمت دعوة عدد من الشركات والخبراء للكشف على السد ومعالجة المشكلة.. وكان من بين المقترحات لتلك الشركات هي الاستمرار بعملية الحقن والتحشية في جسم السد وان تكون هذه العملية علمية، وخلال تلك الفترة نجحت وزارة الموارد المائية في جلب العديد من المكائن الخاصة بالتحشية واصلاح المكائن القديمة وكان وضع السد حينذاك مستقرا ولكن بعد احتلال داعش للموصل يبدو ان عملية التحشية توقفت مع غياب الفنيين البالغ عددهم اكثر من 500 فني، بعضهم هاجر،... مشيرا الى ان التوصيات التي قدمت من قبل مجلس الخبراء هي المحافظة على مناسيب المياه في بحيرة السد الى 319 مترا فوق مستوى سطح البحر لتقليل الضغط والذوبان في اساس السد وكانت هذه معالجات مؤقتة.
واشار رشيد اما المعالجات الفنية الهندسية الدائمة التي كان ينبغي اتخاذها لحماية سد الموصل من الانهيار فهي بناء جدار كونكريتي لمنع الذوبان ولكن المشكلة التي واجهت تنفيذ هذه المعالجة هي ان الامكانات العالمية حينها لم تكن قادرة على الوصول الى العمق المطلوب لبناء الجدار البالغ 200 متر تحت جسم السد لمنع الذوبان.. مبينا انه في عام 2008 اعربت عدد من الشركات الالمانية والايطالية عن امتلاكها المعدات لحفر هكذا اعماق وجرت مفاوضات مع تلك الشركات وكانت الكلفة عالية جدا تصل الى ملياري دولار .. لافتا الى ان هذه الكلفة وان كانت عالية ولكنها مقابل الفوائد الاقتصادية التي نجنيها من السد والمقدرة باكثر 700 مليون دولار سنويا وهذا يساعدنا على تغطية الكلفة خلال 6 سنوات.. مضيفا ان وزارة الموارد المائية عقدت العديد من المؤتمرات وورش العمل مع الخبراء العراقيين والاجانب واكدت تلك الفعاليات على اهمية السد من الناحيتين الزراعية والاقتصادية ومنع الفيضانات وضرورة الاستمرار بعملية التحشية والمراقبة المستمرة على مدار اليوم .
وزاد رشيد ان من المعالجات المقترحة لحل مشكلة سد الموصل هي انشاء سد بادوش لمنع الكارثة عند انهيار الاول ويكون سدا تنظيميا وليس بديلا .. لافتا الى انه في حال عجزنا عن تنفيذ مثل هذا المعالجات بسبب الظروف الاقتصادية للبلد ففي مثل هذه الحال علينا ان ننسى الاثر الاقتصادي للسد وتوليد الكهرباء والزراعة والفيضانات ونتخلص من مياهه باي طريقة .. مشددا ان الوضع كان يمكن ان يكون افضل لو مضينا في بناء سد " بخمة " العملاق لان حجم بحيرة هذا السد يصل الى 17 مليار متر مكعب مقابل 11 مليار متر مكعب في بحيرة سد الموصل .. مبديا اسفه لعدم تنفيذ هذا السد الذي كان يمكن ان يكون اكبر سد في المنطقة وذو فائدة كبيرة ويجنبنا الاعتماد على اي جهة خارجية لمليء بحيرته بالمياه انما الاعتماد يكون على مياه الزاب الكبير وهي مياه عراقية .. موضحا ان كمية المياه الموجودة حاليا في بحيرة سد الموصل تبلغ 5 مليارات متر مكعب مع عطل احدى بوابات السد وهذه مطلوب معالجتها في اسرع وقت ممكن ..
مشاركون في الندوة اشاروا الى ان مصادر المعلومات الواردة عن السد تأتي بجانبين رسمي واعلامي وهناك تهويل واضح في الجانب الاعلامي .. مقابل رسائل اطمئنان يطلقها الجانب الرسمي .. مقترحين عددا من المعالجات الانية لمواجهة احتمال انهيار السد خلال فصل ذوبان الثلوج والفيضان في الربيع المقبل وهي استمرار عملية الحقن وهي ليست سهلة فضلا عن تفريغ المياه الموجودة امام السد لتقليل الضغط على السد .. متسائلين عن تفاصيل خطة الطواريء التي اعلنت عنها الحكومة في حال وقوع المحذور
مدير عام المصرف العراقي للتجارة حمدية الجاف تحدثت عن التصريحات الحكومية التي بعثت رسائل تطمين للناس من خلال اعلانها عن ان نسبة الخطر في السد لاتتجاوز 1 بالالف.. مبينة ان مشكلة السد ليست جديدة وان نسبة الخطر تزداد مع قرب موسم الفيضان فلماذا هذا التلكؤ من قبل الحكومة في احالة مشروع صيانة السد لاحدى الشركات العالمية الرصينة لدرء خطر الفيضان .. داعية الى ان تكون ارادة قوية لدى الحكومة في معالجة السد من خلال الاستعانة بالفنيين العراقيين والاجانب .
الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله البندر.. يعتقد ان القضية ترتبط بسيناريو معين فهو لم يسمع بمشكلة اسمها سد الموصل منذ انشائه حتى عام 2014 وسبق له ان زار السد قبل 2003.. متسائلا: هل من المعقول ان السد ينهار لاسيما ان المشكلة بدأت عام 1986 فلماذا لم تثار القضية لا من قبل النظام السابق ولا من قبل الحكومات التي جاءت بعد التغيير؟.. مضيفا انه اذا كانت كلفة بناء الجدار الكونكريتي الداعم للسد تساوي ملياري دولار مقابل موازنة 112 مليار دولار فلماذ لم تقم الحكومة باصلاح السد مع خطورة الحديث الذي يقول عن هلاك نصف مليون انسان في حال انهيار السد.. مردفا: اين حقوق الانسان العراقي الذي يفترض ان تحرص الحكومة على حمايتها.. وتساءل ايضا: لماذا لم تقم داعش بتحطيم السد لاحراج الحكومة واسقاطها.. داعيا الحكومة الى عرض قضية السد امام انظار الخبراء المتخصصين لمعالجة الخطورة ان وجدت فعلا .
الاعلامي والكاتب العراقي اسماعيل زاير رئيس تحرير جريدة الصباح الجديد.. طرح عددا من الاسئلة الفنية المرتبطة بواقع سد الموصل.. قائلا: هل ان ارتفاع مناسيب المياه في البحيرة امام السد سؤثر سلبا على وضع السد ام بالعكس.. داعيا الى ارسال المياه الضاغطة الى الاهوار في جنوب العراق لتقليل نسبة الخطر من جانب ومن جانب اخر اعادة الحياة الى تلك الاهوار التي تعرضت للجفاف في مراحل سابقة.
المهندس الاستشاري هشام المدفعي.. كشف عن قيامه بزيارة السد قبل افتتاحه وذلك عام 1985 واطلع على تفاصيل واهمية السد وقد تم الاخذ بنظر الاعتبار جميع الاحتمالات في حال حدوث فيضان خلال 10 سنوات او خلال 20 سنة او حتى في حال حدوث طوفان خلال 100 عام ولكل حالة من تلك الحالات توجد معالجات وحلول .. مبينا ان القائمين على المشروع يوم ذاك لم يشيروا الى اي مشكلة ومنها مشكلة الحجر الجبسي الموجود في اساس السد.. متسائلا هل من المعقول ان هذه القضية لم تكن واردة في بال المعنيين او حتى لدى الشركات المنفذة؟.. مشددا ان ليست هناك اي خطورة في الوقت الحاضر من احتمال انهيار سد الموصل لان السد انشيء بارتفاع 330 مترا فوق سطح البحر وان المنسوب الامن هو 319 مترا وهو وضع مطمئن وليس هناك سببا في اثارة المخاوف في الوقت الحاضر
المستشار المالي لرئيس الوزراء الدكتور مظهر محمد صالح بين في مداخلته ان الادارة الامريكية اعربت عن قلقها بشأن وضع سد الموصل لدى زيارة رئيس الوزراء الى واشنطن عام 2014.. مبينا انه تم تخصيص 200 مليون دولار لصيانة السد من قرض البنك الدولي البالغ 1.200 مليار دولار تستغل لاغراض التحشية واعداد الدراسات.. مشيرا الى انه ومنذ عام تشهد الساحة حراكا دوليا ومحليا لتلافي خطر انهيار السد.
الدكتور رجاء الدين من جامعة النهرين بين ان مشكلة السد ذات شقين .. شق فني واخر اداري.. متسائلا: هل بامكان الموازنة العامة للدولة توفير المبالغ المطلوبة لبناء الجدار الكونكريتي.. مبينا ان قضية سد الموصل تعد قضية وطنية كما يمكن ان تصبح قضية دولية ان تم تدويلها في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بها.. مطالبا بالاستفادة من الخبرات العراقية في تقييم طبيعة الارض الموجودة قبل اجراء الحلول الفنية المطلوبة .
الخبير حمزة شريف مدير مركز النهرين للدراسات اشار الى ان السد مر بثلاث مراحل تسببت بحدوث خلل نتيجة توقف عملية الحقن وهي مرحلة الحصار الاقتصادي في عقد التسعينيات ومرحلة حرب عام 2003 والمرحلة الثالثة هي مرحلة استيلاء داعش على السد ما ادى الى حدوث الكثير من المشاكل والتعقيدات ومنها عطل احدى البوابات وتوقف ثلاث توربينات لتوليد الطاقة وهذه لها علاقة بعملية تفريغ المياه ما يؤدي الى صعوبة التفريغ من بوابة واحدة اما البوابة العاطلة فتحتاج الى 6 اشهر لاصلاحها وهنا تكمن الخطورة لاسيما ونحن مقبلون على موسم الفيضان وان كميات المياه الواردة الى البحيرة اكثر من كمية المياه المفرغة .. مشيرا الى صعوبة الظروف التي يعمل فيها الفنيون في السد من حيث توقف الرواتب وامور اخرى.
الدكتور محمد جابر الرئيس السابق لجامعة النهرين .. تساءل عن الاسباب الحقيقية وراء توقيت الاعلان عن مشكلة سد الموصل في الوقت الراهن .. وهل بالامكان تفريغ السد مع وجود بوابة عاطلة.. كما تساءل ايضا عن موقف اقليم كردستان من المشكلة لاسيما ان السد قريب من الاقليم وتحمل قضيته بعدا سياسيا؟
الى ذلك علق الدكتور عبداللطيف جمال رشيد على ماطرح من آراء.. مبينا ان جميع السدود التي انشأت في العراق ومنذ عام 1936 ومشاريع الري واستصلاح الاراضي كانت من قرارات "مجلس الاعمار" ولكن لم يكن بالامكان تنفيذها لضعف الامكانات.. وهناك عدد من السدود انجزت فعلا منها سد دوكان وسد دربنخان الذي افتتحه الزعيم عبدالكريم قاسم.. وحتى مبزل المصب العام كان من مقترحات مجلس الاعمار ووزارة التخطيط فيما بعد لتحسين واقع الزراعة في العراق ودرء خطر الفيضانات كما ان دول الجوار لم تكن لديها السدود الكافية في ذلك الوقت.