Thursday, 8 November 2012

لن تكون هناك حروب من أجل المياه

 
عن مجلة فورن أفيرز مجموعة من المختصين - ترجمة الصباح-31-10-2012
 
صوره من ارشيف الموقع لنهر الوند ,عفوا شارع الوند
ربما كانت أنباء الانكماش الاقتصادي والاضطرابات التي تعم العالم العربي هي التي تتصدّر العناوين، ولكن ثمّة مشكلة كبيرة أخرى تخيّم على الأفق .. تلك المشكلة هي التغيّرات المناخية. فإلى جانب الأنماط المناخية المتطرّفة وارتفاع مستويات مياه البحر وغير ذلك من المشاكل الطبيعية المهدّدة هناك ارتفاع درجات حرارة الأرض الذي يؤدي إلى ارباك جاهزية موارد المياه العذبة، وما يتبع ذلك من تداعيات اجتماعية وسياسية كبيرة. ففي وقت سابق من العام الحالي نشرت مديرية المخابرات الوطنية تقريراً عنوانه "الأمن المائي العالمي" قيّمت فيه السياسات المائية في مختلف أنحاء العالم. في هذا التقرير أوضح المؤلفون أن النزاعات المائية على الصعيد الدولي لن تبقى آثارها محصورة في المصالح الأمنية للدول المتشاطئة وحدها، بل سوف تصل إلى الولايات المتحدة أيضاً.في كثير من أنحاء العالم يمثّل الماء العذب منذ الآن مورداً محدوداً حيث لا تزيد نسبته على 2،5 بالمئة من مجمل الماء المتاح على كوكبنا الأرضي. من هذه النسبة الصغيرة لا يتمكن الإنسان من الحصول إلا على نحو 0,4 بالمئة لغايات الاستهلاك، وحتى هذا الجزء البالغ الضآلة تتقلّص فيه نسبة الجزء الصالح للشرب والاستهلاك البشري بسبب التلوّث وما تلحقه به الإستخدامات الزراعية والصناعية المختلفة. كل هذا فيه من السوء ما يكفي، ولكن كثيراً من الأجسام المائية الحاوية للمياه العذبة تتقاسمها دول متشاطئة، اثنتان أو أكثر، وبذلك تزداد مشكلة إدارتها تعقيداً.
 
بقيت أوساط الإدارة السياسية تطرح منذ أمد تنبؤات مفادها أن ثمّة "حرب مياه" وشيكة الوقوع. وفي عام 2007 حذّر "بان كي مون"، الأمين العام للأمم المتحدة، من أن شحّة المياه تعدّ مبرّراً قويّاً لإثارة الحروب والصراعات. رغم هذا لم يشهد التاريخ الكثير من أمثال هذه الحروب، بل أن الحرب الوحيدة التي نشبت بسبب المياه في الواقع دارت رحاها قبل 4500 سنة. كان ذلك نزاعاً بين دولتي "لكش" و"أوما" وكلتاهما تقع في العراق الحديث على نهر دجلة. أما في عصرنا الحديث فإن كل الذي حدث هو احتكاكات كادت أن تسفر عن حروب، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. فقبل عامين من حرب عام 1967 تبادلت اسرائيل وسوريا إطلاق النار بسبب حوض نهر الأردن الذي قال كل من الطرفين أن الطرف الآخر يتجاوز على حقّه فيه. إلا أن تلك الصدامات المسلّحة المحدودة النطاق سرعان ما تلاشت في حين استمرّت الخلافات السياسية بشأن حصص البلدين من الموارد المائية. وفي عام 2002 قام لبنان بنصب مضخّات على أحد روافد النهر فأثار ذلك قلقاً لدى اسرائيل الواقعة أسفل مجرى النهر. لم يسفر الموقف عن رد فعل مسلّح بالمعنى الرسمي، إلا أن المواجهة الكلامية بين البلدين في ظل السلام الهشّ جعل الولايات المتحدة تتدخّل. وفي نهاية المطاف وافق الطرفان على حلّ وسط يسمح للبنان بسحب مقدار محدّد متفق عليه من الماء لتغطية احتياجاته المحليّة.
 
خلاصة القول أن التنبؤات بنشوب حرب من أجل المياه فيها شيء من التهويل والإثارة، ولكن التوتّرات الناشئة عن استغلال المياه تبقى قادرة على مفاقمة صراعات إقليمية أو محليّة أخرى قائمة بالفعل. كذلك من المتوقّع أن تؤدي التغيّرات المناخية إلى تعميق آثار موجات الجفاف والفيضانات وغيرها من الأحوال المناخية المتطرّفة على نحو يهدّد كميّات المياه العذبة ونوعيّتها وبذلك تعمل على تجسيم الخطر وتجعل المناطق التي تعاني من أوضاع قلقة أكثر قلقاً واضطراباً.
 
فأي أحواض الأنهار في العالم إذن تمثّل أكبر مصدر للتهديد في يومنا الحاضر؟ في تقرير للبنك الدولي نشرناه في العام 2010 (بالإضافة إلى مقالة لاحقة نشرت في العدد الخاص من مجلّة بحوث السلام) قدّمنا تحليلاً للآثار المادية الملموسة التي يمكن أن تخلّفها التغيّرات المناخية على الأنهار في عموم أنحاء العالم. ولأجل هذه الغاية قمنا بصنع نماذج محاكاة للتذبذب الحاصل في مستويات جريان الماء سنوياً لأي نهر، في الماضي ووفق سيناريوهات المناخ المتوقّعة مستقبلاً. كذلك تحرّينا إن كانت لدى المناطق المحيطة بأحواض الأنهار قدرات مؤسساتية، معبّراً عنها بصيغة معاهدات مياه دولية، تمكّنها من التعامل المستقبلي مع الآثار التي يحتمل أن تنجم عن التغيّر المناخي وطبيعة تلك القدرات أو المعاهدات.
 
بناء على بحوثنا وجدنا أن 24 حوضاً من مجموع أحواض الأنهار المشتركة دولياً في العالم، وعددها 276 حوضاً، تعاني منذ الآن تذبذباً متزايداً في كميات مياهها. هذه الأحواض الأربعة والعشرون، التي تغطي مجتمعة حاجة 332 مليون إنسان تقريباً، تعتبر عالية الخطورة بمعيار التوتّرات السياسية ذات الصلة بالمياه. معظم هذه الأحواض يقع في الجزء الشمالي من أفريقيا أو جنوب الصحراء، كما توجد حفنة من الأحواض الأخرى في الشرق الأوسط وأواسط وجنوب آسيا وفي أميركا الجنوبية ايضاً. من بين هذه الأحواض حوض التفنة (بين الجزائر والمغرب) والدشت (بين إيران وباكستان) وحوض نهر الكونغو وبحيرة تشاد (في أفريقيا الوسطى) والنيجر (في غرب أفريقيا) والنيل (في الشمال الشرقي من أفريقيا) والتشيرا (بين الأكوادور وبيرو)، ولا وجود لأية معاهدات يعتد بها لضبط كيفية استخدام هذه الإحتياطيات المائية في مناطق تشكو من التوتّرات أصلاً. فإذا ما حدث واندلع صدام في أحد هذه الأماكن لن تكون هناك آليات فعّالة جاهزة للتعامل مع الموقف.
 
بحلول العام 2050 سوف تتحوّل 37 حوضاً إضافية، وهي تسد حاجة نحو 83 مليون إنسان، إلى أسباب لتغذية التوتّرات السياسية، وكما هو الحال اليوم فإن العدد الأكبر من هذه الأحواض يقع في أفريقيا. ولكن خلافاً للوضع الحالي ستكون أحواض الأنهار الواقعة في أواسط آسيا وأوروبا الشرقية والوسطى وأميركا الوسطى عالية الخطر هي الأخرى في ظرف 40 عاماً. بعض هذه الأحواض يشمل حوض كورا آراكس (بين إيران وتركيا والقوقاز) والنيمان (في أوروبا الشرقية) وآسي أورونتس (بين لبنان وسوريا وتركيا) وأحواض الكاتاتومبو (في كولومبيا وفنزويلا).
 
عبور النيل
 
يتميّز حوض النيل عن باقي الأحواض الأفريقية الكبرى بأن له تداعيات وآثاراً عظيمة على الأمنين العالمي والإقليمي. فالتوتّرات القائمة بشأن حقوق استخدام هذا النهر جعلت اثنين من أهم حلفاء الغرب، هما مصر وأثيوبيا، تقفان منذ الآن بمواجهة بعضهما البعض. كانت مصر لاعباً أساسياً في إقرار عملية السلام في الشرق الأوسط، أما أثيوبيا فإنها قوّة إقليمية مهمّة في القرن الأفريقي، وهي حالياً تدعم قوى أفريقية أخرى في تصدّيها لحركة الشباب في الصومال. 
 
مع مرور السنوات تم التوصّل إلى عدد من اتفاقيات المياه الدولية التي وضعت قواعد لإدارة ذلك الحوض، ولكنها بقيت مقتصرة إلى حد بعيد على أجزاء صغيرة منه فقط. مصر والسودان فقط كانتا ضمن الأطراف المشتركة في اتفاقية نهر النيل لعام 1959، وهي الإتفاقية الرئيسة المتعلّقة بهذا النهر. كان باستطاعة مصر، وهي إحدى أقوى بلدان المنطقة رغم كونها الأبعد في مجرى النهر، أن تؤثر بشدّة على نظام تقاسم المياه. أما البلدان التي في أعالي النهر، مثل إثيوبيا وبوروندي، التي أبقيت خارج المعاهدة، فإنها تعاني من ضغوط شديدة للتحكّم بالنيل والحصول على احتياجاتها منه.
 
في العام 1999 رفع البنك الدولي مساهمته في الحوض عقب تصاعد التراشقات الخطابية المشحونة بالحدّة بين مصر وإثيوبيا وذلك من خلال المساعدة في إقامة شبكة من خبراء إدارة المياه بالإضافة إلى حزمة من الإستثمارات في عدد من الأحواض الأصغر شأناً. رغم هذا بقي التوصّل إلى اتفاقية جديدة متعثّراً، فالدول في أعالي النهر ترفض التفاوض حول حقّها في إنشاء بنى تحتيّة مائية، في حين ترفض دول أسفل النهر أن تتنازل عن أي قدر من الحماية لحصصها. وفي العام 2010 وقعت أثيوبيا اتفاقية مع عدد من دول أعالي النهر الأخرى على أمل تحقيق الموازنة مع كفّة مصر والسودان. وقد أعلن هذا البلد مؤخراً أيضاً عن خطط لإنشاء عدد من السدود الكبيرة في أعالي النهر، وهذه يمكن أن تؤثر على استقرار المنطقة. 
 
حين يحل العام 2050 ستكون الحالة البيئية لحوض النيل أسوأ مما وصفنا. لهذا السبب من المهم بمكان أن تبرم اتفاقية منذ الآن تتسم بالفعالية والإنصاف. اتفاقية مثل هذه يجب أن تركّز على الطرق والأساليب التي تمكّن من السيطرة على الطاقة الكهرومائية المستقبلية للنهر لإشباع احتياجات جميع الدول المتشاطئة من الطاقة مع المحافظة في الوقت نفسه على عافية النظام البيئي. بناء السدود والخزانات في مناطق أعالي النهر من شأنه أيضاً أن يساعد على مجانسة وتنظيم جريان الماء في النهر وبذلك يسهّل عملية التنمية الزراعية. أمثال هذه المشاريع، التي تخفف من مدى الأضرار التي تصيب عافية النظام البيئي والتجمعات السكّانية المحليّة، ستأتي في صالح جميع الأطراف المعنيّة وبذلك تسهّل بروز تعاون أوسع في منطقة الحوض.
 

في أعلى الآرال
 
الحوض المائي الآخر الذي تثور حوله أسباب للقلق هو بحر آرال، وتشترك فيه دول كازاخستان وقرغيزستان طاجيكستان وتركمانستان وأزبكستان. يتألف الحوض من نهرين رئيسين هما "سيرداريا" و"أمو داريا"، كان هذان النهران يخضعان لإدارة فعّالة نسبياً خلال حقبة الحكم السوفياتي، ولكن انهيار الإتحاد السوفياتي أنهى ذلك كلّه. الخلاف الرئيسي قائم الآن على نهر سيرداريا بين قرغيزستان، الواقعة في أعاليه، وأزبكستان في أسفله. ففي موسم الشتاء تحتاج قرغيزستان إلى زيادة جريان الماء لإنتاج الطاقة الكهرومائية في حين تحتاج أزبكستان إلى حبس الماء وخزنه لاستغلاله فيما بعد لري حقول قطنها. قامت هذه الدول بمحاولات عدّة لحل نزاعاتها، وبالذات أزبكستان الواقعة أسفل النهر والغنية بالنفط والغاز، حيث أمّنت الطاقة لقرغيزستان كتعويض لها عن حجز مياهها في صهاريج الخزن الواسعة لحين حلول موسم زراعة القطن. ولكن أمثال هذه الإتفاقيات القائمة على المقايضة لم تصب سوى حظ ضئيل من النجاح بسبب سهولة الإلتفاف عليها. فالبلدان الواقعة أسفل مجرى النهر قد تأخذ بتقليص إمدادات الوقود التي ترسلها في السنوات التي يكثر فيها المطر بذريعة قلّة حاجتها إلى المياه المخزونة في أعالي النهر، وبالمقابل تطلق الدول في أعالي النهر كميات أقل من الماء في الموسم الزراعي كرد فعل انتقامي. لذا تخطط قرغيزستان، تحت ضغط الإحباط وشدّة الحاجة إلى الطاقة الكهربائية خلال أشهر الشتاء، لبناء محطات كهرومائية عملاقة داخل مناطقها. وتدرس دولة أخرى أيضاً من دول أعالي النهر، هي طاجيكستان، فكرة الإعتماد على المحطات الكهرومائية لسد حاجتها من الطاقة الكهربائية. في الوقت نفسه تعكف أزبكستان على بناء صهاريج ضخمة لخزن المياه.
 
قد تبدو هذه الخطط منطقية ومعقولة على المدى القريب، ولكنها عقيمة على المديين المتوسط والبعيد لأنها لا تعالج أصل المشكلة المتمثّل بحاجة دول أسفل النهر الفعليّة لسعات خزن كبيرة تقيها ما يطرأ من تذبذب على كميات المياه خلال الفترات الزمنية المختلفة. بل أن قرغيزستان وأزبكستان في الواقع، بالإضافة إلى كازاخستان، سوف تشهدان زيادة ملموسة في التذبذب ما بين الوقت الحالي والعام 2050 .. لذا لم يعد هناك مفرّ من مواجهة ضرورة تقاسم منافع الخزانات ذات السعات الضخمة المقامة فعلاً في مناطق أعالي النهر وتنسيق استغلال تلك المياه عبر اتفاقيات ومعاهدات متينة أكثر كفاءة فيما بين تلك البلدان.كذلك فإن استقرار الأوضاع في حوض بحر آرال من شأنه أن يعود بالنفع على الولايات المتحدة أيضاً. فمع قرب انسحابها من أفغانستان تسعى واشنطن لكسب ودّ أزبكستان كحليف وبديل مستقبلي محتمل يملك القدرة على توفير الإستقرار في المنطقة. ويبدو أن الحكومة الأزبكية راغبة من جانبها أيضاً في استضافة القواعد العسكرية الأميركية والعمل كثقل مقابل لروسيا. كذلك تعدّ قرغيزستان لاعباً محليّاً مهمّاً. فقاعدة "ماناس" الجويّة، وهي المنشأة العسكرية الأميركية القريبة من "بشكيك"، تعتبر نقطة ترانسيت بالغة الأهميّة. كذلك يعمل هذا البلد مع الولايات المتحدة على خط مقارعة تهريب المخدّرات ومنع تسلل العصابات الإجرامية وجماعات المتمردين. لذلك فإن أية خلخلة تصيب الإستقرار الإقليمي يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بهذه العلاقات الستراتيجية.
قد تبدو هذه الخطط منطقية ومعقولة على المدى القريب، ولكنها عقيمة على المديين المتوسط والبعيد لأنها لا تعالج أصل المشكلة المتمثّل بحاجة دول أسفل النهر الفعليّة لسعات خزن كبيرة تقيها ما يطرأ من تذبذب على كميات المياه خلال الفترات الزمنية المختلفة. بل أن قرغيزستان وأزبكستان في الواقع، بالإضافة إلى كازاخستان، سوف تشهدان زيادة ملموسة في التذبذب ما بين الوقت الحالي والعام 2050 .. لذا لم يعد هناك مفرّ من مواجهة ضرورة تقاسم منافع الخزانات ذات السعات الضخمة المقامة فعلاً في مناطق أعالي النهر وتنسيق استغلال تلك المياه عبر اتفاقيات ومعاهدات متينة أكثر كفاءة فيما بين تلك البلدان.

كذلك فإن استقرار الأوضاع في حوض بحر آرال من شأنه أن يعود بالنفع على الولايات المتحدة أيضاً. فمع قرب انسحابها من أفغانستان تسعى واشنطن لكسب ودّ أزبكستان كحليف وبديل مستقبلي محتمل يملك القدرة على توفير الإستقرار في المنطقة. ويبدو أن الحكومة الأزبكية راغبة من جانبها أيضاً في استضافة القواعد العسكرية الأميركية والعمل كثقل مقابل لروسيا. كذلك تعدّ قرغيزستان لاعباً محليّاً مهمّاً. فقاعدة "ماناس" الجويّة، وهي المنشأة العسكرية الأميركية القريبة من "بشكيك"، تعتبر نقطة ترانسيت بالغة الأهميّة. كذلك يعمل هذا البلد مع الولايات المتحدة على خط مقارعة تهريب المخدّرات ومنع تسلل العصابات الإجرامية وجماعات المتمردين. لذلك فإن أية خلخلة تصيب الإستقرار الإقليمي يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بهذه العلاقات الستراتيجية.
Kurdistanfoodsecurity.com تعليق  
  ان المجله  لم تذكر  مشاكل وادي الرافدين مع الجيران  لانالعراق اصلاغير مستعد لخوض اي حرب  او حتى مباحثات جاده مع جارا تها الشرقيه اوالشماليه وحتى الغربيه بسبب المياه. لان المياه والزراعه الان ليست من اولويات  السياسين في بلاد الرافدين.
 

 


No comments:

Post a Comment