Thursday, 25 April 2013

المياه. صراع وتعاون داخل النيل


المصدر: جريدة التعاون23.4.2013   

تحديات كبيرة تواجه الملف المائي المصري بعد ثورة 25 يناير أهمها مشروع سد النهضة الأثيوبي والذي آثار جدلا واسعا ولا يزال حتي الآن من تأثيره علي حصة مصر المائية في ظل محدوية الموارد المائية التي لا تتعدي 55.5 مليار م3 سنويا منذ عام 1959 رغم تضاعف عدد سكان مصر 4.5 ضعف عن ذلك العام وإضافة الي ذلك تحديات أخري من تعديات علي نهر النيل بالبناء علي منافع الري أو الردم داخل المجاري المائية بخلاف تلويث النيل بمخلفات المصانع والشركات والصرف الصحي والزراعي إضافة الي زراعات الأرز المخالفة والتوسع في زراعات الموز والقصب. إلخ وحول هذه التحديات وطرق مواجهاتها كان لنا هذا الملف الهام.محدودية الموارد المائية والتعديات على نهر النيل أهم التحديات التى تواجهها وزارة الموارد المائية والرى بعد ثورة يناير حيث اقتربت مصر من حد الندرة المائية والمعروف عالميا بقيمة 500 متر مكعب للفرد سنويا بعد أن وصل نصيب الفرد الآن 3م660 ومع الزيادة السكانية المضطردة والضغط الشديد على شبكات الترع والمصارف ومنشآت الرى والصرف وزيادة التعديات على المجارى المائية وارتفاع التلوث والتوسع فى الزراعات بالمخالفة كالأرز والموز والقصب وإهدار كميات كبيرة من المياه تفاقمت المشكلة وزادت التحديات التى تستلزم زيادة الجهود لمواجهتها، ومن هنا كان لنا هذا التحقيق للتعرف على جهود وزارة الرى فى مواجهة هذه التحديات.
بداية يقول الدكتور محمد بهاء الدين وزير الموارد المائية والرى إن الوزارة مسئولة عن إدارة نهر النيل وفرعيه بطول يتجاوز 1300كيلو متر. بالإضافة إلى شبكة ضخمة من الترع يقدر إجمالى طولها بـ33 ألف كيلو متر وشبكة من المصارف يقدر طولها بحوالى 18ألف كيلو متر. يتم إدارتها وتنظيم انطلاق المياه بها من خلال عدد ضخم من المنشآت التحكمية على رأسها السد العالى وخزان أسوان والقناطر الكبرى على نهر النيل ومآخذ الترع والرياحات وقناطر الحجز والهدارات. بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من محطات الطلمبات يتجاوز عددها 1487محطة. فضلا عن حماية شواطيء مصر على البحر المتوسط والبحر الأحمر بطول يناهز2000 كيلو متر من النحر والتآكل.
وقد وصل عدد السكان حاليا فى مصر 5.4ضعف عددهم حينما أبرمت اتفاقية مياه النيل عام 1959 مع ثبات حصة مصر من مياه النيل عند 5.55مليار متر مكعب.
وبالتالى انخفض نصيب الفرد السنوى من المياه لكافة الأغراض من 2800متر مكعب فى عام 1959 إلى حوالى 660متراً مكعباً سنويا هذا العام. ويعتبر ذلك أقل من الحد العالمى للفقر المائى والمقدر بقيمة 1000متر مكعب سنويا. ومن المتوقع أن يصل عدد السكان إلى 160 مليون نسمة بحلول عام 2050 ومن ثم ينخفض نصيب سنويا وهو مايعتبر أقل من حد الندرة المائية والمعروف عالميا بقيمة 500 متر مكعب سنويا.
وظل الوجود السكانى منحصرا فى وادى النيل والدلتا فى مساحة لاتتجاوز 4% من المساحة الكلية لمصر. وزادت المساحة المزروعة إلى أكثر من (9 ملايين فدان). ومن ثم وصل نصيب الفرد إلى 0.1 فدان من الأرض الزراعية. ولذلك اتسعت الفجوة الغذائية بين الطلب والإنتاج بشكل كبير أدى إلى استيراد مصر لأكثر من 60% من احتياجاتها الغذائية من الخارج.
وتعتبر الموارد المائية المتجددة فى مصر هى مياه نهر النيل بحصة ثابتة سنويا مقدارها 5.55 مليار متر مكعب. بالإضافة إلى المياه الجوفية العميقة غير المتجددة بالصحارى وسيناء ويقدر السحب منها حاليا بحوالى 2.2 مليار متر مكعب. ومياه الأمطار على الساحل الشمالى والتى تقدر بحوالى 1.3 مليار متر مكعب. وأخيرا مياه البحر المحلاة والتى يصل إجماليها 0.2مليار متر مكعب. وبذلك يصل إجمالى الموارد المائية المتجددة فى مصر حوالى 59.2مليار متر مكعب سنويا.
ويضيف د. بهاء أنه طبقا لهذا تقوم الوزارة بإمداد جميع القطاعات المجتمعية بالمياه ويأتى على رأس هذه القطاعات قطاع مياه الشرب والاستهلاكات المنزلية بنسبة 11% من إجمالى الموارد المائية المتاحة ثم قطاع الصناعة بنسبة 5% وقطاع الزراعة بنسبة 84%. فى حين لاتطلق مياه خصيصا لباقى القطاعات مثل قطاع توليد الطاقة الهيدرومائية وقطاع السياحة والعائمات وقطاع النقل النهرى وقطاع الثروة السمكية وإنما تكفى التصرفات المنطلقة لأغراض الشرب والصناعة والزراعة احتياجات هذه القطاعات حيث إنها تستخدم المجارى المائية ولكنها لاتستهلك مياهها.
وقد أدى ثبات الموارد المائية المتجددة والتوسع الأفقى فى الأراضى الزراعية والزيادة السكانية المطردة إلى الضغط الشديد على شبكات الترع والمصارف ومنشآت الرى والصرف مما أدى إلى تدهور حالتها بشكل أكبر من المتوقع وقت إنشائها.
ومن مظاهر هذا الضغط الشديد زيادة التعديات على المجارى المائية خصوصا بعد ثورة يناير 2011 والتى وصلت إلى 21516تعدياً تتنوع بين البناء على منافع الرى والردم داخل المجارى المائية بغرض اكتساب أراض جديدة للبناء على حساب المجارى المائية.
وكذلك صرف المخلفات السائلة لتلك المبانى المنشأة بالمخالفة على المجارى المائية ومياه الصرف الصناعى غير المعالجة من مصانع يعتبر صرفها شديد الخطورة وأحيانا ساما مثل مصانع الكيماويات والأسمدة ومزارع الحيوانات الصرف الصحى غير المعالج الذى غالبا ما تكون مصادره المحليات.
وأدى حجم التلوث إلى إغلاق عدد من محطات إعادة استخدام مياه المصارف الزراعية مثل محطة المحسمة بشرق الدلتا ومحطة بطيطة بوسط الدلتا ومحطة الوادى بغرب الدلتا. الأمر الذى أدى إلى خسارة كميات مياه كبيرة كان يمكن إعادة استخدامها تقدر بحوالى 2 مليار متر مكعب سنويا. بالإضافة إلى خسارة الاستثمارات الضخمة التى استخدمت فى إنشاء هذه المحطات.
ويؤكد أن مخالفات زراعة الأرز تؤدى إلى إهدار كميات كبيرة من المياه. حيث إن الوزارة تعطى تصريحاً بزراعة الأرز فى شمال الدلتا فقط فى مساحة (1.1مليون فدان) بينما المزروع فعليا هذا العام على سبيل المثال يصل إلى (2.4مليون فدان) بمخالفة تصل إلى 1.3مليون فدان. ومن المعروف أن فدان الأرز يستهلك حوالى (8000متر مكعب فى الموسم) وفى حالة زراعة المساحة المخالفة بالذرة على سبيل المثال يتم توفير حوالى (5مليارات متر مكعب سنويا) من المياه.
وكذلك التوسع الشديد فى الزراعات الشرهة للمياه مثل القصب والذى يستهلك الفدان حوالى 21 ألف متر مكعب سنويا والموز الذى يستهلك من 8000 إلى 10000متر مكعب للفدان.
إضافة إلى عدم الالتزام بنظام المناوبات والتعدى على مسئولى الرى وفتح بوابات الترع فى غير دورها مما يؤثر على مزارعى النهايات ويؤدى إلى التشاحن أثناء موسم أقصى الاحتياجات.
ويشير إلى أن الوزارة تبذل جهودا مضنية للتعاون مع دول حوض النيل للحفاظ على حقوق مصر التاريخية من مياهه بل وزيادة تلك الحصة إذا ما أمكن من خلال المشروعات المشتركة لاستقطاب الفواقد فى أعالى النيل مثلما الحال فى حوض بحر الغزال والهضبة الإثيوبية.
كما تعتمد الوزارة على رفع كفاءة استخدام المياه داخل مصر عن طريق تكثيف إعادة استخدام المياه المتسربة والمفقودة نتيجة لتدنى كفاءات الاستخدام فى قطاعات مياه الشرب والصناعة والزراعة إلى المصارف والخزانات الجوفية الضحلة بالوادى والدلتا. وتبلغ كميات المياه الجوفية المعاد استخدامها عن طريق الخزانات الجوفية الضحلة حوالى 6.5مليار متر مكعب سنويا. والصرف الزراعى المعاد استخدامه حوالى 6.5مليار متر مكعب سنويا. ومياه الصرف الصحى المعاد استخدامها حوالى 4.5مليار متر مكعب سنويا. ومن ثم تصل الكفاءة الكلية لاستخدامات المياه فى مصر حوالى 80% وتعتبر من أعلى الكفاءات فى العالم. حيث يعتبر نظام إدارة المياه فى مصر نظاماً مغلقاً من أهم سماته إعادة الاستخدام الذى يؤدى إلى كفاءة كلية عالية رغم تدنى كفاءات الاستخدام.
أيضا تعتزم الوزارة التوسع فى استخدام المياه الجوفية غير المتجددة بالصحارى وسيناء بالقدر الذى تتيحه اقتصاديات سحب هذه المياه العميقة سحبا آمنا. وتقدر هذه الكمية بحوالى 4 مليارات متر مكعب سنويا يستخرج منها حاليا حوالى 2.2 مليار متر مكعب حاليا.
كما قررت الوزارة التوقف عن توصيل كميات جديدة لمياه الشرب خارج الوادى والدلتا بالتنسيق مع وزارة مرافق مياه الشرب الصرف الصحى الأمر الذى سيؤدى إلى زيادة كميات مياه البحر المحلاة إلى حوالى 4.0 مليار متر مكعب تنحصر فى بعض المدن والمنتجعات الساحلية الحالية وكذلك المخطط إنشاؤها.
ويوضح الوزير أنه نظرا لاتساع الرقعة الزراعية بطريقة لاتتناسب مع الطاقة الاستيعابية لشبكة الترع الحالية تقوم الوزارة بعمل مناوبات بين الترع التى لايوجد عليها محطات تنقية مياه الشرب وذلك للإيفاء باحتياجات الرى وإعطاء تصرفات مياه تمكن من تغطية مآخذ الترع الأدنى درجة والمساقى نظرا لاستبحار الترع وانخفاض مناسيب المياه بها عن المناسيب التصميمة مع تقدم أعمار هذه الترع. وتكون هذه المناوبات فى حالة الأرز مثلا 4 أيام عمالة أى يكون بالترعة مياه للرى و4 أيام بطالة أى تكون الترع خالية من المياه. ولضمان تعاون المزارعين يتم إعلامهم مسبقا بجداول المناوبات خصوصا خلال الموسم الصيفى حيث يزداد الطلب والتنافس على مياه الري.
وتنفذ الوزارة كل عام برنامجاً لإزالة الحشائش والطمى والمخلفات من شبكتى الترع والمصارف. ويتم تكثيف أنشطة الوزارة فى هذا السياق قبل موسم أقصى الاحتياجات المائية لتجهيز كافة الترع والمصارف وإزالة أى عوائق بها. وترصد الوزارة كل عام ميزانية تتعدى الثلاثمائة مليون جنيه لتطهير الترع والمصارف وإزالة أى اختناقات بهم.
كما تنفذ الوزارة حاليا مجموعة من مشروعات تطوير الرى على مستوى المساقى وترع التوزيع. وعلى الرغم من أن مستوى المسقى هو مسئولية المزارع إلا أن الوزارة وإنطلاقا من إيمانها بدورها المحورى فى مساعدة المزارعين فى حسن توزيع واستخدام مياه الري.
إضافة إلى تنفيذ مشروعات تطوير الرى على مستوى المسقى وتأهيل الترع الفرعية لإطلاق تيار مستمر لمياه الرى بها. وتستعيد الوزارة تكلفة تطوير المساقى على 20 سنة ومحطة الطلمبات على 3 سنوات دون أخذ التضخم أو فوائد القروض فى الاعتبار.
وقد أثبتت مشروعات تطوير الرى أنها تساهم فى تحسين عدالة توزيع المياه بين مزارعى الأمام والنهايات وتوفر تكاليف التشغيل والصيانة وتسهل الجدولة والتشغيل ومن ثم تؤدى إلى زيادة إنتاجية الأراضى الزراعية بنسب تتراوح بين 10% إلى 15%.
قد حولت الوزارة الصرف الحقلى المكشوف إلى صرف مغطى فى حوالى 5.5 مليون فدان. أى فى حوالى 64% من الزمام المزروع فى مصر. وأدى ذلك إلى القضاء على كم كبير من مشاكل الصرف مثل ارتفاع مناسيب المياه الأرضية أو تملح التربة ومن ثم زادت إنتاجية الأراضى الزراعية بنسب تتراوح بين 15% إلي25%. الأمر الذى جعل المزارعين يتسابقون على إنشاء صرف مغطى بأراضيهم يتم استعادة تكلفته منهم على 20 سنة بنفس طريقة استعادة تكلفة مشروعات تطوير الري. ومازالت الوزارة مستمرة فى تنفيذ مشروعات إحلال وتجديد شبكات الصرف المغطى وإنشاء شبكات جديدة فى الزمامات التى لم يتم الإنشاء بها حتى الآن.
ويقول الدكتور طارق قطب مساعد أول وزير الموارد المائية والرى أن الوزارة تعمل على دمج جميع وحداتها التى تتعامل مع المزارعين والمحليات مباشرة فى كيان واحد ذى نافذة وحيدة تسمى الهندسة المتكاملة للموارد المائية والرى وتكون بديلا عن هندسات الرى والصرف وغيرها المنفصلة والتى طالما ما كانت تشتت المنتفع من حيث الموقع والتخصص فى الخدمة المؤاده. وفى هذا الإطار قامت الوزارة بتحويل حوالى 50% من هندساتها والتى تبلغ 120هندسات فى الإجمال إلى هندسات متكاملة وجارى استكمال الباقى خلال العامين القادمين.
وتبذل جهودا ضخمة فى إزالة التعديات على المجارى المائية. وفى هذا الصدد تم إزالة 986 مخالفة ردم فى المجارى المائية من أصل 2855مخالفة و1360 مخالفة بناء على منافع الرى وداخل المجارى المائية من أصل 14650 مخالفة و1820 مخالفة متنوعة ما بين تلويث المجارى المائية وغيرها من أصل 4011 مخالفة.
وتدرس حاليا كيفية إنقاص أحمال التلوث بالمصارف التى كان يعاد استخدام مياهها وجعلها صالحة للاستخدام مرة أخرى سواء بتغيير مسارات بعض المصارف وتقنين أوضاع بعض المنشآت التى تلقى بملوثاتها فيها. وبذلك يمكن إعادة إستخدام حوالى 2 ملاير متر مكعب لتستخدم أساسا فى الزراعة.
وحول البرنامج القومى للصرف المغطى والمكشوف يشير د. طارق إلى أن التغطية بالصرف المغطى وصلت إلى زمام 5.9مليون فدان ومخطط تغطية كامل الزمام والذى يقدر بـ6.4مليون فدان خلال العشر سنوات القادمة بتكلفة تقديرية تبلغ 2.2 مليار جنيه.
كما تم إعتماد مبلغ (135مليون جنيه) خلال العام المالى الحالى لتوسعة وتعميق المصارف المكشوفة فى زمام قدرة (15ألف فدان) إلى العديد من الأعمال الصناعية على المصارف وأهمها الكبارى لخدمة المواطنين.
أما عن انتشار مصادر التلوث على المصارف العامة فيوضح د. طارق قطب أن إدارات صيانة الصرف على مستوى الجمهورية تتولى تطبيق القانون رقم 48لسنة 1982 فيما يخص المخالفات المتعلقة بتلوث المصارف. إلا أن تلك المشكلة تحتاج إلى تكاتف كافة أجهزة الدولة للقضاء عليها حيث إن المناطق الريفية مازالت تفتقر إلى خدمات الصرف الصحى وهو الملوث الأساسى لشبكات المصارف على مستوى الجمهورية ومن أجل ذلك فقد تبنت الوزارة الخطة القومية للموارد المائية والتى تم إعدادها بمشاركة كافة الوزارات المعنية ودخلت بالفعل حيز التطبيق والتى تحدد أولويات العمل المشترك فى مجال الموارد المائية.

No comments:

Post a Comment