مياه النيل ودعاء صلاة الاستسقاء
جريدة العالم 4.4.2013
*طالب مراد
مصر قلقة بخصوص مياه النيل إذ انها تتسلم 55 مليار متر
مكعب سنويا، وحاجتها من المياه، بحسب عدد سكانها، هي أكثر من 90 مليار متر مكعب
سنويا. علما بأن الأمطار شحيحة في مصر ويبلغ معدلها حوالي 50 ملم سنويا على كافة
الأراضي المصرية، بينما نسبة الأمطار في العراق تبلغ من 100 الى 1270 ملم سنويا
وحسب المناطق المختلفة ومعدلها ككل هي أضعاف ما تهطل في مصر.
إن قلق حكومة الرئيس محمد مرسي بشأن المياه لا يمكن
اخفاؤه، إذ أن رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل الذي يتمسك به مرسي هو أخصائي في
المياه. ورئيس ديوان مجلس الوزراء الدكتور صفوت عبد الدائم هو الآخر خبير مياه عمل
كثيرا مع الفاو والبنك الدولي. وعلى ما يبدو للمراقبين فإن الزيارات المكوكية
للرئيس مرسي للسودان هذا الأسبوع، ورئيس وزرائه لجنوب السودان الأسبوع الماضي لها
علاقة بمياه النيل.
مصر تتحكم في مياه النيل كلها حسب اتفاقية وادي النيل
المنعقدة سنة 1929 بين مصر وبريطانيا والسودان. ومنذ 1959 تتحكم السودان في 15 %
من مياه النيل فقط، وذلك بناء على اتفاق سوداني – مصري. وحاليا تمت مناصفة حصة
السودان من المياه بعد استقلال الجنوب عن السودان. وحتى الآن فان حصة الجنوب غير
مستغلة، ولذا تحاول مصر الحصول عليها لشغل حيز من الفجوة المائية الناشئة نتيجة
للارتفاع الهائل لعدد سكانها، حيث ان نفوسها تتضاعف كل 25 سنة.
إن حصة الفرد المصري حاليا هي 610 أمتار مكعبة سنويا بدل
1000 متر مكعب، وهي الكمية المتعارف عليها دوليا، والتي تسد حاجة الفرد لسنة
واحدة. إن مصدر 85 % من مياه النيل من اثيوبيا. وللعلم فإن رئيس وزراء اثيوبيا
الحالي ورئيس الدورة الحالية للاتحاد الافريقي الدكتور هيلا مريم دسيليغان هو
الآخر اخصائي مياه وكان مديرا لمعهد المياه الاثيوبي. انتقد الدكتور محمد نصر
الدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق تصريحات وزير المياه الاثيوبي بشأن
رغبة اثيوبية في اعادة استخدام مياه النيل وتغيير معاهدة وادي النيل، مشيرا إلى أن
هذا سيشكل تهديدا خطيرا لحصة مصر من مياه النيل. وقال علام إن تصريحات الوزير
الاثيوبي تعني تقسيم ايراد النهر في شكل حصص مائية للدول المشتركة فيه على أساس
معايير عدد السكان والموارد المائية المتاحة ومساهمة كل دولة في ايراد النهر. وذكر
علام ان اثيوبيا تسعى لاعادة توزيع وتخفيض حصتي مصر والسودان بشكل خاص من ايرادات
نهر النيل.
إلا ان الحملة الجشعة التي تقوم بها الدول الخليجية
والصين والهند وصناديق التقاعد الأوروبية للاستحواذ على الأراضي الزراعية في
اثيوبيا والسودان هي الأخرى ستؤثر سلبا في نسب المياه، وشعب مصر سيكون المتضرر
الأول مما يجري في جنوب وادي النيل. إن الاستحواذ على الأراضي الزراعية والمياه
سيتكرر وبشكل أخطر في أماكن أخرى مثل تركيا، وستتضرر منها شعوب الدول المتشاطئة
ودول المصب. صلاة الاستسقاء مارسها أبناء الجزيرة العربية منذ ظهور الإسلام إلى أن
جلبت لهم الدولارت النفطية معامل عملاقة من دول الكفر لتحلية مياه البحر لشربهم
وملء المسابح في فيلاتهم. الشعب المصري لم يكن يحتاج إلى دعاء الاستسقاء لأن النيل
"كان مكفيهم وزياده". ولكن في ظل الظروف الحالية والمستقبلية فان على
الاخوان في وادي النيل أن يفكروا باعادة صلاة الإستسقاء إلى إمارتهم الإسلامية،
وأن يصلحوا أمورهم مع الكفار الذين يعيشون في تسع دول من أصل إحدى عشرة دولة تقع
على النيل، منها دول منبع ودول متشاطئة. ودول المصب هما اثنتان مصر والسودان، وهما
اسلاميتان والحمد لله.
إن المرحوم اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات المصري
السابق، كان الحارس الأمين لملف المياه في مصر، وبفقدانه تكون مصر قد خسرت بوليصة
تأمين مياهها، وإن غدا لناظره لقريب.
بريطانيا 2 / 4 / 2013
* بروفسور، مستشار لشؤون الزراعة والأمن الغذائي لدى
حكومة اقليم كردستان، خبير سابق في "فاو"
No comments:
Post a Comment