Friday 7 September 2012

تأثير مشروع سد اليسو التركي على العراق

 
يعتمد سكان العراق بشكلٍ أساسي وكبير على مياههما وخصوصاً نهر دجلة، لكنه في السنوات الأخيرة بدأت هذه المياه تتردى نوعيتها ويزداد تلوثها جراء قيام تركيا (دولة المنبع) باستثمارها وبناء بعض المشاريع المائية على حوض النهر مما ترك آثاراً سلبية خطيرة على السكان القاطنين في دولة المصب أي العراق يقف في مقدمة ذلك مشروع سد اليسو الذي سوف لن تنحصر آثاره السلبية على السكان الأكراد في تركيا فقط بل تتعداها لتشمل سكان العراق أيضاً.
وسوف يعمل مشروع سد إليسو الذي سيقام على نهر دجلة سوف يعمل على تقليل واردات مياه النهر بنسبة 60% حيث ستنخفض كميات المياه من 20 مليار م م إلى 9 مليار م م ، الأمر الذي سينعكس بدوره على جميع السكان القاطنين على حوض النهر، حيث ستتأثر حياتهم كثيراً من جراء إقامة هذا المشروع ابتداءٍ من نمط معيشتهم وتوزيعهم الجغرافي مروراً بوضعهم الاقتصادي وصولاً في النهاية إلى حالتهم الصحية التي ستتردى كثيراً بفعل زيادة نسبة التلوث النهري الحاصلة في مياه الشرب.
تتجلى لنا أبرز التأثيرات التي سيخلفها بناء المشروع التركي على السكان في العراق بالاتي:
1- التغير في أنماط معيشة سكان الحوض :
إن اعتزام الحكومة التركية على بناء مشروع سد اليسو سوف يعمل بلا شك على توسيع حجم المشكلة البيئية المتفاقمة في العراق، وسيعطيها أبعاداً أخرى لها صلة وثيقة بمشكلة التزايد السكاني الكبير المتوقع خلال السنوات القادمة، وطريقة توسع المراكز الحضرية وزيادة الحاجة الملحة لتامين المياه الصالحة للشرب وبقية الاستخدامات اليومية الأخرى.
وعندما سيحين موعد إملاء خزان السد سوف يتضرر من وراء ذلك الملايين من البشر المنتشرين في أنحاء متفرقة في البلاد (الشمال والوسط والجنوب)، حيث ستتضرر (5) مراكز محافظات عراقية و (13) قضاء و (21) ناحية تقع جميعها على حوض هذا النهر وروافده الأخرى، مما سيدفع بالسكان إلى ترك مهنهم الزراعية والصناعية والحرفية والهجرة من الأرياف والقرى إلى المدن وبقية التجمعات السكانية. فهذا النزوح العشوائي سوف يؤدي بمرور الزمن إلى تغيير أنماط وأساليب العمل الاقتصادي لهؤلاء الناس من أنماط منتجة إلى أنماط غير منتجة. وفي نفس الوقت سينخفض الإنتاج الزراعي بشكلٍ كبير جراء تزايد رقعة الجفاف وتدهور المراعي والحقول الطبيعية، وحصول تراجع ملحوظ في الثروة الحيوانية كل ذلك من شانه أن يزيد من حجم المشاكل الاجتماعية لسكان الحوض القاطنين فيه مستقبلاٍ.
2- تأثير المشروع على اقتصاد يات سكان الحوض:-
أشرنا سابقاً إلى أن بناء سد اليسو سيترك انعكاسات خطيرة على الواقع الاقتصادي لسكان حوض دجلة في العراق نتيجة لانخفاض واردات المياه الجارية إلى البلاد، حيث سيتردى الوضع الاقتصادي للفلاحين والمزارعين الذين يعتمدون بصورة أساسية على مياه النهر في ارواء حقولهم ومزارعهم التي ستعاني من قلة امدادت المياه، إلى جانب ظهور الحاجة إلى الاستيراد بدلاً من الاكتفاء الذاتي أو شبه الذاتي لبعض المحاصيل الزراعية، وحدوث زيادة كبيرة في معدلات البطالة الناجمة عن ارتفاع هجرة الفلاحين وانخفاض فرص العمل بالنسبة للعاطلين منهم.
تجدر الإشارة إلى أن مشروع سد اليسو سيقضي على ثلث مساحة الأراضي الزراعية في العراق والتي تقدر بأكثر من أربعة ملايين دونم خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، ممما يعني هذا حرمان مئات الآلاف من المزارعين من مزاولة أعمالهم ومهنهم الزراعية التي تعد مصدراً رئيساً لمعيشتهم الأساسية. ولا يقتصر الحال وحده على هؤلاء فحسب بل يتعداه ليشمل أيضاً الصيادين الذين يعتمدون في مهنهم على صيد الأسماك، حيث سيؤثر انخفاض معدلات تصريف مياه نهر دجلة على تنمية الثروة السمكية في البلاد.
3 - تأثير المشروع على الحالة الصحية لسكان الحوض:-
تعد هذه المسالة غاية في الحساسية بسبب انعكاساتها السلبية والخطيرة على البيئة والإنسان معاً. فانخفاض المياه الذي سيحصل بعد بناء سد اليسو سوف يعمل على حرمان أعداد كبيرة من سكان الحوض من الحصول على مياه الشرب الكافية، رغم تردي نوعيتها وزيادة معدلات التلوث النهري فيها جراء احتواءها على نسب عالية من المواد الكيمياوية والأسمدة المستخدمة من قبل المزارعين الأتراك. وبلا شك فان هذا التلوث سيؤدي إلى ظهور العديد من الأمراض الوبائية الخطيرة بين سكان الحوض وعلى نطاقٍ واسعٍ وكبير خصوصاً الأمراض المعدية مثل الطاعون والكوليرا والتيفوئيد والملاريا.
4- تأثير الزلازل والهزات الأرضية على سلامة سكان حوض دجلة في العراق:-
من المعلوم أن تركيا تقع ضمن نطاق زلزالي نشيط حيث تشير الدراسات والبحوث العلمية إلى آن كمية المياه المحتجزة في السدود التركية المقامة على نهري دجلة والفرات من شانها أن تزيد من فرص حدوث الزلازل والهزات الأرضية، مما يتطلب ضرورة القيام بتحركٍ سريع من قبل العراق للضغط على تركيا من اجل الحصول على ضمانات وتعهدات تضمن حقوق العراق في التعويض عن أية أضرارٍ وخسائر مادية وبشرية قد تحدث في حالة انهيار احد السدود المقامة على الحوضين، خصوصاً إذا علمنا آن هنالك علامات استفهام كثيرة تتعلق بمدى مطابقة المشاريع المائية لشروط السلامة الدولية ومنها السدود الكبيرة المقامة حالياً على نهر الفرات وهي سدود كيبان وقره قايا واتاتورك وكذلك سد اليسو الذي سيقام على نهر دجلة في المستقبل.
وفيما يخص التأثيرات التي سيخلفها سد اليسو على سكان حوض دجلة في العراق فان الطابع الإنشائي لهذا السد سوف لن يقلل من ذروة حدوث الفيضانات العالية المحتملة الوقوع، وهذا من شانه أن يؤثر بالطبع على سلامة وامن السكان القاطنين أو المنتشرين على طول أسفل مجرى النهر، ناهيك طبعا عن الأخطاء الهندسية التي قد تحدث أثناء العمل بالمشروع والتي من الممكن أن تظهر عيوبها الهندسية بعد إكمال بناء السد إلى جانب الأعمال التخريبية التي قد تقوم بها بعض الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة التركية وهي كلها عوامل تساهم في زيادة مخاطر بناء هذا المشروع وغيره من المشاريع المائية في تركيا على حياة ومستقبل السكان في العراق.
إن هذا المشروع يجّسد ترجمةً خطيرة للموقف التركي الداعي إلى اعتبار نهري دجلة والفرات " نهران وطنيان تركيان ". وان لتركيا الحق الشرعي في استثمارهما وبسط سيادتها المطلقة عليهما حتى النهاية، بهدف نزع الصفة الدولية عنهما فيما يخص مسألة المياه رغم مخالفة ذلك للعهود والمواثيق الدولية المتعلقة باستثمار الأنهار الدولية.
لقد نجحت الحكومة التركية في نهاية المطاف من تأمين جميع القروض والتسهيلات المالية اللازمة لإنشاء هذا المشروع، متخطيةً بذلك كل الحواجز والعراقيل التي اعترضتها خلال السنوات الماضية.
فلم يغير انسحاب العديد من شركات الإنشاء العالمية المكلفة بإدارة وبناء المشروع من موقف الحكومة تجاه إمكانية التفكير بإلغائه، إنما على العكس ازداد موقفها إصراراً وتمسكاً على تنفيذه بأسرعٍ وقت ممكن.
كما لم تعر تركيا أي اهتمام لأصوات المعارضة الدولية التي نادت بها اغلب الجمعيات والمنظمات الرسمية غير الحكومية، فهي ماضية في تنفيذ هذا المشروع وبقية المشاريع المائية الأخرى في البلاد حتى ولو اعترض العالم كله على ذلك، لان هذا يعد في نظرها تدخلاً في شؤونها الداخلية لا يجوز لأي أحدٍ التدخل فيه مطلقاً.
أخيراً فان مشروع سد اليسو لا يمثل وحده الخطر القادم كما يتصور البعض، بل أن هنالك مشروعاً أخر أكثر خطورة وتأثيراً على مستقبل العراق المائي وهو مشروع سد الجزيرة، لذا فانه ينبغي على الحكومة العراقية التحرك سريعاً لمواجهة النقص المتوقع في واردات مياه نهر دجلة بعد اكتمال هذين المشروعين، من اجل تدارك اخطارهما المحتملة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأراضي الزراعية الواقعة قرب الحدود الدولية مع تركيا.


No comments:

Post a Comment