Tuesday, 4 September 2012

المياه.. هدف الألفية الجديدة؟


قيل عن القرن العشرين، إنه كان عصر البترول بامتياز، ويقال عن القرن الحالي، الحادي والعشرين، إنه بالأحرى، قرن المياه. والمهندس الفرنسي الذي عمل لمدة تزيد على 20 سنة في قطاع المياه في إحدى الشركات الكبرى المتخصصة في البيئة، جان باتريس بوارييه، يقدم كتاباً تحت عنوان: "المياه"، كعنوان رئيسي، وبتساؤل: "هل هي هدف الألفية الجديدة"؟ مثلما جاء في العنوان الفرعي.
الفكرة الأساسية التي يؤكد عليها المؤلف، أن الوضع الحالي للمياه في العالم، ينبئ بالكارثة. فهذا ما تقوله الأرقام التي تدل على أن مليار نسمة في العالم، لا تتوفر لهم مياه الشرب، وكذا 2,6 مليار شخص لا يمتلكون دورات مياه خاصة بهم. ويتوفى 5000 طفل بسبب شربهم مياهاً تفتقر إلى الحد الأدنى من الشروط الصحية. كما أن نسبة 50 بالمائة من أسرّة المستشفيات في إفريقيا، يشغلها مرضى تدهورت أوضاعهم الصحية بأسباب ذات صلة بنقاء وسلامة المياه التي يشربونها أو يستخدمونها.
ويرى الكتاب أن هذه الأرقام المثيرة للقلق لا تعود إلى نقص المياه في العالم، ولكن بالأحرى إلى سوء توزيعها، إذ إنها تتوافر بكثرة في بعض المناطق بينما تفتقر إليها مناطق أخرى عديدة. وإذا كانت البلدان المتقدمة قد توصلت إلى إيجاد حلول كاملة لمشكلة مياه الشرب، فإنها تعاني بالمقابل، حالات تلوث (زراعية وصناعية). فما العمل أمام مشكلة المياه؟ وكيف يمكن للبلدان الفقيرة أن تواجه شحّ المياه؟ وماذا تفعل منظمة الأمم المتحدة؟
يشرح المؤلف في إجاباته الموسعة على تلك التساؤلات، مجموع الرهانات في هذا الصدد، ويقدّم بعض الحلول المحلية، ويقترح بعض الإجراءات الملموسة للانتقال إلى الفعل، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام أسهمت في تعريف الجمهور العريض، على خطورة مشكلة المياه. ولكنها عالجتها عبر موضوعات محددة، جانبية. بينما أن الرهانات الأساسية تتعلق بتوافر مياه الشرب على الصعيد العالمي.
ويجد المؤلف أن مواجهة هذا الأمر، تتطلب اتخاذ إجراءات سياسية لتنال مشكلة المياه اهتماماً جوهرياً في خطط التنمية. ويلفت في هذا السياق، إلى أن قمة ريو دي جانيرو- قبل 20 سنة، قررت تقديم مساعدة مقدارها حالياً 130 مليار دولار، أي أقل من المبلغ المقرر. وهناك نسبة 5 بالمائة فقط من أصل المبلغ، لمواجهة مشكلة المياه التي تمثل رهاناً أساسياً بالنسبة للتنمية.
ويناقش الكتاب مسألة تقليص عدد الذين لا تتوافر لهم المياه الصالحة للشرب في العالم، موضحاً أن معايير الأمم المتحدة تحدد الشخص الذي تتوافر له هذه المياه بـ: ذلك الذي يستطيع استهلاك 20 ليتراً في اليوم، من المياه الحسّنة، والتي لا تبعد عن مقر سكنه أكثر من كيلومتر واحد. ويلفت المؤلف إلى أنه، وبناءً على هذا المعيار، أكدت الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للصحة، أن هناك 780 مليوناً، من البشر، يفتقرون منذ عام 2010، إلى المياه الصالحة للشرب.
والمقصود بـ"المياه المحسّنة"، تلك الخالية من الجراثيم، ولو انها كانت لا تمتلك جميع المعايير، المطبّقة في البلدان المتطوّرة، في شأن صلاحية المياه للشرب. وبالمقابل، فإذا كان المعيار المعتمد في توافر مياه الشرب هو وجودها في المنازل عبر صنابير، فإن عدد الذين لا تتوافر لهم يصل إلى 3 مليارات شخص، وإذا أصبح المعيار هو "توفر المياه في المنازل لمدة 24 ساعة يومياً، فعدد من يفتقرون إلى مياه الشرب يصل إلى 3,5 مليارات شخص، أي نصف عدد سكان المعمورة. وهذا مع أن حق المياه هو أحد حقوق الإنسان الأساسية، كما يشرح المؤلف. ويشدد المؤلف على أن مشكلة المياه لا يمكن عزلها عن تلك المتعلقة بزيادة عدد سكان العالم.
وطالما أنه يتم التعتيم على هذه القضية اليوم، فإن الظروف المعيشية للبشر ستتدهور أكثر فأكثر. وذلك ليس على مستوى مياه الشرب فحسب، ولكن أيضاً بالنسبة لجميع المسائل المتعلقة بالبيئة والتلوث. وهناك أيضاً عملية التدمير الذي يستهدف ثروات الطبيعة.
ومن المسائل التي يركز المؤلف عليها، واقع هدر المساعدات المقدّمة للعديد من بلدان العالم في منظور التنمية، والتي تسطو حكوماتها الفاسدة، على قسم كبير منها. وأما برامج المساعدة، فقرارها يعود أساساً إلى واشنطن وعواصم البلدان الثمانية المتطورة، بعيداً عن الاهتمام بآراء المنظمات المحلية التي تعرف المشكلات على أرض الواقع، وتدرك الحلول الأفضل لها.
ولا يتردد جان باتريس بوارييه، في توجيه أصابع الاتهام إلى البشر، لمسؤوليتهم عن أشكال التلوث الزراعي والصناعي، وكذا انتشار الأسمدة الكيماوية ومبيدات الحشرات والوحول الحمراء السامة، كتلك التي تلوث نهر الدانوب الذي يعبر عدة بلدان في وسط القارة الأوروبية. ويضاف إلى هذا، نقص محطات التصفية، حتى في البلدان المتقدمة، مثل فرنسا، حيث هناك الحاجة إلى 200 محطة تصفية جديدة، حسب تقارير صادرة عن المفوضية الأوروبية. ولكن.. ماذا عن الحلول لمشكلة المياه في العالم؟
إن مؤلف الكتاب يؤكد وجود هذه الحلول، وهو يناقش مجموعة جوانب، منها: تحلية مياه البحر، إعادة استهلاك المياه المستخدمة، اللجوء إلى تصفية المياه بصورة فردية.
لا يتردد المؤلف في القول ان مشكلة المياه "في غاية التعقيد". وانه غالباً ما يتم تقديم معالجات لها، تتسم بأنها مهتمة بأحد مظاهرها، وتهمل الجوانب الأخرى. وهو بالتالي، أراد لهذا الكتاب أن يلمّ بالمشكلة، بكل جوانبها، بحيث يكون مكرّساً لجميع القرّاء، وليس فقط، للمتخصصين والأكاديميين.
***
جان باتريس بوارييه مهندس في ميدان المنشآت المائية. عمل لفترة تزيد على عقدين من الزمن، في قطاع المياه، في إحدى الشركات الفرنسية الكبرى العاملة في ميدان البيئة.
الناشر: اوتر تامب - باريس- 2012


No comments:

Post a Comment